"الجريمة المُركّبة" يوثّق انتهاكات وإرهاب ميليشيا الحوثي في اليمن
"الجريمة المُركّبة" يوثّق انتهاكات وإرهاب ميليشيا الحوثي في اليمن
يرد مصطلح "أورويلي" في الخطاب السياسي انطلاقًا من الأجواء التي تحدث عنها أورويل في روايته 1984.
وفي هذا المصطلح رمزية إلى السلطوية والفساد السياسي بالمعنى الظاهر، وما أراده أورويل هو أن يحذرنا من أعمال مخفية تقوم بها الجماعات أو الحكومات وهي أخطر من كل الرقابة والكاميرات المرئية التي ترصد تحركاتنا بغرض التلاعب لتعيد تشكيل توجهاتنا أو الضغط في اتجاه ما لنيل مكاسب سياسية.
وتنطبق رؤية أورويل على اليمن السعيد -سابقًا- بسبب سياسات ميليشيا الحوثي العنصرية التي تسببت في صناعة الوضع الإنساني الأسوأ على مستوى العالم بحسب تقارير أممية، وتجويع الشعب اليمني لإعاقة جهود الشرعية في التخلص منهم.
في هذا الشأن صدر مؤخراً عن دار الآفاق العربية للنشر والتوزيع في العاصمة المصرية القاهرة كتاب "الجريمة المُركّبة.. أصول التجويع العنصري في اليمن" للصحفي اليمني المعروف همدان العليي.
موسوعة في أربعة فصول
وجاء الكتاب الذي وصفه البعض بالتاريخي في 624 صفحة، موزعًا على أربعة فصول، وأربعة ملاحق تضم وثائق وصوراً.
ناقش المؤلف في الفصل الأول، جذور الحرب الجارية في اليمن وبُعدها التاريخي، وسياسة التجويع التي ينتهجها الحوثيون اليوم على نهج أسلافهم الأئمة.
إضافة إلى أهداف التجويع العنصرية باعتبارها بوابة لجريمة الإبادة الثقافية وطمس الهوية الوطنية لليمنيين، متطرقاً إلى دور إيران في ذلك.
ويتناول في الفصل الثاني أساليب التجويع المباشرة التي مورست بحق المجتمع اليمني. فيما خصص الفصل الثالث لقضايا التهجير، وسرقة المساعدات، والوضع الصحي، وخطر الألغام التي تفرد الحوثيون بزراعتها.
إضافة إلى حصار المدن والمناطق السكنية ودور هذه الجرائم في صناعة أسوأ أزمة إنسانية في العالم بحسب وصف منظمات أممية.
وتطرق الفصل الرابع إلى أضرار العملية التنموية في اليمن جراء ممارسات الحوثيين، وانتكاس رأس المال البشري بسبب سياسة التجويع.
موثقاً شهادات ودراسات دولية وعربية تؤكد هذه الجريمة، وتتناول الموقف القانوني من بعض الجرائم، كما تضمّنت الملاحق صورًا ووثائق تؤكد جريمة التجويع، بعضها تنشر للمرّة الأولى.
ووفقًا لتحليلات صحفية، يعد "الجريمة المُركّبة" من أوائل الكتب التي توثق أسباب الحرب الأخيرة في اليمن، وأسباب الجرائم التي يرتكبها الحوثيون بحق اليمنيين، متناولاً بالتفصيل جريمة التجويع العنصري وأبعادها وأساليبها بلغة حقوقية حصيفة.
شخصيات يمنية بارزة
وقدّم الكتاب شخصيات سياسية وفكرية يمنية بارزة هم: رئيس مجلس الشورى اليمني ورئيس الحكومة السابق الدكتور أحمد عبيد بن دغر، ونائب رئيس الحكومة ووزير الخارجية السابق عبدالملك المخلافي، ونقيب الصحفيين اليمنيين السابق نصر طه مصطفى، إضافة إلى العضو السابق في فريق خبراء الأمم المتحدة بشأن اليمن، فرناندو كارفاخال.
موثّق وبالأدلة
جاء عنوان الكتاب "الجريمة المُركّبة" من الهدف الذي يسعى إليه المؤلّف همدان العليي، وهو توثيق جريمة التجويع العنصري في اليمن بوصفها واحدة من أبشع الجرائم المعاصرة.
وبحسب العليي، فإن هذه الجريمة "ما كانت لتحدث لولا التمييز العنصري واعتقاد فئة في اليمن أنها مميزة عن غيرها، وأن الله اختارها لحكم اليمنيين وامتلاك رقابهم ولو بالقوة، ما جعلها ترتكب جريمة متعددة الأوجه والأبعاد".
وأوضح المؤلف في تصريحات إعلامية دافعه للقيام بهذا العمل وهو "المسؤولية الأخلاقية والإنسانية"، وحرصه على أن "لا تضيع تفاصيل جريمة التجويع المؤلمة وسط دوامة الصراعات والنزاعات، وتندثر وتصبح جزءًا من غبار التاريخ لاسيما أمام تحركات الحوثيين والمنظومة الخمينية لتزييف الحقائق".
إضافة إلى هدف مستقبلي وهو توفير إجابات للأجيال القادمة عن طبيعة الحرب الجارية اليوم في اليمن.
وحرص المؤلف على تحديد مصادر المعلومات، وتوثيقها من التقارير الدولية المحايدة، جاعلاً من شهادات الحوثيين أنفسهم أولوية لتأكيد ما جاء في كثير من القضايا، إضافة إلى وثائق بعضها تنشر لأول مرة.
القضاء على مسببات الحروب هو الحل
الدكتور أحمد عبيد بن دغر، قال في مقدمته إن تركيز المؤلف على مشكلة العنصرية في معتقد الحوثيين يأتي من "إدراك حقيقي لجذور وأسباب أغلب الحروب في اليمن من فترة طويلة، وهذه مسألة جديرة بالاهتمام والدراسة والتمحيص، ولأنه لا يمكن تحقيق السلام العادل والدائم في اليمن ما لم يتم القضاء على مسببات الحروب، وعلى رأسها العنصرية".
وأضاف في المقدمة، أن الكتاب "يجمع بين الكتابة في التاريخ، والخوص في السياسة.. الاستناد إلى الماضي، مع التركيز على حاضر الإمامة في نسختها الحوثية المصنوعة في طهران، بكل ما فيها من جشع وطمع وانحطاط، يصاحبه عنف وقسوة في التعامل مع الشعب، ويستره صمت دولي مريب، لقد رصد الكاتب أشكال وأساليب العنف التي طوّرها الحوثيون، بما في ذلك الاستيلاء على أموال المواطنين بذرائع مختلفة، وفرض جبايات جائرة عليهم، مصحوبة باستخدام القوّة، ومصادرة أموال الدولة والأوقاف والزكاة والمساعدات الإغاثية".
سياسة التجويع
وجاء في مقدمة وزير الخارجية الأسبق عبدالملك المخلافي، أن المؤلف استطاع "كشف سياسة التجويع الممنهجة، التي تمارسها جماعة الحوثي بدوافع عنصرية، ولتحقيق أهداف عنصرية، وكجزء من سياسة العنف والإبادة الجماعية، التي لطالما مارستها الإمامة ضد اليمنيين في تاريخها الأسود".
وأضاف أن "الكتاب يسلط الضوء على تفاصيل مهمة من جرائم التجويع العنصرية، من منظور إنساني حقوقي، بناء على رصد وبحث علمي دقيق قابل للاعتماد عليه، والاستناد على حقائقه، لكشف بشاعة الإمامة عند المعنيين برفض العنصرية، والمدافعين عن حقوق الإنسان في العالم".
سلاح مصيري
ووصف المخلافي، هذا الكتاب بأنه "سلاح ثقيل في المواجهة المصيرية بين اليمنيين والإمامة، وهو بمثابة دعوة لتجريم العنصرية الإمامية".. معتبراً هذا الكتاب من السبل الممهدة لذلك".
وشدد على ألا تقتصر هذه الدعوة "على اليمن، بل يجب أن تطلق عالمياً، وأن تدخل العنصرية الإمامية -القائمة على عنصرية العرق والاصطفاء الديني والحق الإلهي- ضمن الوثائق العالمية، كأحد أشكال العنصرية والفاشية".
ودعا إلى ترجمة الكتاب لعدة لغات، ونشره على مستوى واسع في بلدان العالم، والتنسيق مع كل المنظمات والتكتلات المناهضة للعنصرية للعمل ليس فقط لتجريم الحوثية كجماعة يعرف العالم بأنها إرهابية، ولكن لتجريم الإمامة كحركة عنصرية، كي لا يمتد خطرها إلى مستقبل اليمنيين.
وثيقة إنسانية دامغة
ومن جانبه، وصف نقيب الصحفيين اليمنيين السابق نصر طه مصطفى، الكتاب بأنه "جهد استثنائي، وغير اعتيادي".
وقال إن المؤلف بذل "جهدا جبارا، في جمع المعلومات وتوثيقها، وتدعيمها بالأدلة والاستقصاء، ليضع بين يدي القراء والمهتمين والمعنيين وثيقة لا يشوبها نقص أو خطأ أو زلة، قدر الإمكان، بل ولا يشوبها كيد أو استهداف أو تقصد إساءة بلا دليل أو إثبات أو توثيق".
وأضاف أن المؤلف "لا يهدف لمجرد إصدار كتاب، بل يهدف لإصدار وثيقة إنسانية دامغة، قبل أن تكون سياسية، لمرحلة تتسم بأسوأ الممارسات ضد ملايين اليمنيين، بدم بارد، ونزعة عنصرية، وقسوة لا مكان للرحمة فيها".